عيد الأضحى في سوريا.. جولة لروزنة: الأسواق خالية و"الحال من بعضه" للجميع

عيد الأضحى في سوريا.. جولة لروزنة: الأسواق خالية و

تقارير وتحقيقات | 14 06 2024

روزنة

تبدو الأسواق باهتة مع اقتراب عيد الأضحى، فمحال الألبسة شبه فارغة، ومحال الحلويات ترمقها نظرات المارّين بينما تفوح منها روائح المعمول والكعك وحلويات العيد، فلا مردود مادي كافٍ لدى معظم السوريين على اختلاف المناطق. الرغبة كبيرة بالشراء لكن الواقع مختلف.

تختلف عادات وطقوس العيد من عام لآخر، ومن عيد لآخر، مع الوقت تتقلص المشتريات، وغالباً ما تكون للأطفال بهدف إسعادهم، وأحياناً تنعدم المشتريات فتكتفي العائلات بما لديها.

حتى ضيافة العيد باتت من الرفاهيات مقابل الحصول على أساسيات الغذاء.

بعض العائلات ممن قابلتهم روزنة، يفضلون الاكتفاء بنوع واحد من الضيافة، مثل كعك أو معمول العيد، بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، والبعض الآخر اعتبر العيد كغيره من الأيام ولم يشترِ شيئاً.

نشتعرض في هذا التقرير حركة الأسواق في مناطق سورية مختلفة، وكيفية استعداد الأهالي للعيد، في ظل الركود الاقتصادي وسوء الأحوال المعيشية.

في دمشق

بسمة، سيدة مقيمة في دمشق، تقول لروزنة: "الأسعار خيالية هذا العام، التحضيرات قليلة جداً للعيد، من أراد تحضير معمول العيد يكلف ثلاثة كيلو منه مليون ليرة سورية".

وتوضح أنها منذ عيد الفطر تشتري مستلزمات معمول عيد الأضحى "كل فترة بجيب غرض من السمنة، للطحين، للحشوة".

أما الحلويات الجاهزة "لا تشترى أبداً إلا ما ندر"، على حد وصف بسمة، لكن أصحاب الدخل الممتاز يشترون مستلزمات العيد بشكل كامل دون نقص.

وارتفعت أسعار الحلويات في دمشق مئة بالمئة مقارنة بالعيد الفائت، ووصل الكيلو إلى 700 ألف ليرة سورية، ما يجعلها موجهة للأغنياء فقط، وفق صحيفة "تشرين" المحلية.

رئيس الجمعية الحرفية للحلويات والبوظة والمرطبات في دمشق، بسام قلعجي، قال للصحيفة، إن الطلب على الحلويات انخفض بشكل كبير بسبب غلاء الأسعار، حيث لا تتجاوز حركة الأسواق 30 بالمئة، لافتاً إلى أنّ نحو 60 بالمئة من ورشات الحلويات متوقفة عن العمل بسبب انخفاض الطلب.

ويرجع سبب التوقف عن العمل، إلى قلة أعداد المستهلكين، ووضع الكهرباء، وارتفاع أسعار المواد الأولية من سكر وطحين وسمون وزيوت ومكسرات وغيرها.

الأسواق للمشاهدة فقط!

"حتى أسعار الألبسة خيالية لا أحد يشتري إلا للضرورة"، تقول بسمة موضحة: "المانطو سعرها يصل إلى 900 ألف، وحتى ثياب الأطفال مرتفعة الثمن، ابنتي اشترت لطفلتها الرضيعة ذات العام طقماً مؤلفاً من كنزة وشرط بقيمة 380 ألف ليرة سورية".

فاطمة (19 عاماً) شابة مقيمة في مدينة حلب، ذهبت إلى السوق مرات عديدة لترضي فضولها حول آخر ألوان وموديلات الموضة. رمقت المحلات واطّلعت على الأسعار وعادت في كل مرة "صفر اليدين".

تقول لروزنة: "الأسعار خيالية، كنزة مع بنطال لي يبلغ ثمنهم حوالي 600 ألف ليرة سورية، من أين لي! ووالدي عاطل عن العمل، أما ثمن بيجامة لأخي البالغ من العمر 12 عاماً لا تقل عن 300 ألف ليرة سورية، وهي ما تعادل راتب موظف حكومي".

وفي تقرير لـ"البنك الدولي" في أيار الفائت، فإن "الصراع المستمر في سوريا منذ أكثر من 10 سنوات أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي بالفعل في عام 2023، كما أدى إلى تدهور كبير في رفاه الأسر السورية".

أكثر من 50 بالمئة من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط "حلب وحماة ودير الزور"، وفق تقرير البنك الدولي، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر، أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر.

في إدلب: العيد "غصة"

يستقبل المدنيون في محافظة إدلب العيد بـ"غصة" كما وصفها أنس الحسن، دون الاستعداد أو التحضير له، وذلك بسبب الهموم المتراكمة، مثل هم تأمين الإيجار ولقمة العيش، فيما الكثيرون لا يزالون في المخيمات تحت أشعة الشمس الحارقة.

يقول الحسن لروزنة، المقيم في بلدة حزانو شمالي إدلب: "سابقاً كنا نحضّر للعيد قبل عشرة أيام، نشتري الفاكهة والألبسة للأولاد ونجهز كل شيء، أما الآن همنا تأمين الإيجار ولقمة العيش (...) الدخل لا يتناسب مع الواقع المعيشي، ما عدا ضعف أجور العمال".

وتابع: "دائماً ينتهي المصروف في منتصف الشهر، سنستقبل العيد ولكن بغصة وليس بفرحة كسابق الأيام".

كذلك أم محمد، أم لستة أطفال، لن تستطيع شراء مستلزمات العيد، بسبب الأحوال المادية المتردية، وهي المقيمة في مخيم معرشورين.

تقول لروزنة: "لم يتوفر لدينا حتى اليوم المال لشراء اللباس والحلويات، بسبب قلة العمل وانخفاض الدعم بشكل عام"، مضيفة: "أقل شيء أحتاج إلى مئة دولار أميركي، ولا وارد لدينا حالياً".

وتشير إلى أنّ المعاناة المستمرة بسبب النزوح والإقامة في المخيم أنستهم طعم الأيام والأعياد: "في الشتاء يقتلنا البرد وفي الصيف تقتلنا الحرارة، من وين بدو يجينا العيد؟".

الأضعف من سنوات!

وحول حركة الأسواق في مدينة الدانا، يقول علاء وتد صاحب محل حلويات، إن "حركة البيع والشراء ضعيفة جداً، فالأسعار لا تتناسب مع دخل المواطن، هذه أول سنة منذ عشر سنوات يكون الحال هكذا دون حركة".

ولفت علاء إلى أن الإقبال ضعيف في كل السوق وليس فقط على الحلويات، جيراني باعة ألبسة، أحذية، جميعاً بلا عمل، هذه أول سنة يكون الإقبال ضعيفاً إلى تلك الدرجة".

إبراهيم حمص، صاحب محل أطفال، يوضح لروزنة، أن إقبال الناس هذا العيد ضعيف جداً، فمن اشترى مستلزماته في عيد الفطر لا يشتري في عيد الأضحى، وفق قوله.

ويبيّن أن طقم لطفل أو فتاة بأعمار صغيرة يبدأ من 400 ليرة تركي حتى ال 1500 ليرة، حسب جودة القطعة.

ويعاني 91 بالمئة من أهالي الشمال السوري من الفقر، وفق تقرير لفريق "منسقو استجابة سوريا" أواخر أيار الفائت، وفي وقت وصلت فيه معدلات البطالة بين المدنيين إلى 88 بالمئة بشكل وسطي.

وأدى استمرار النقص في التمويل ومحدودية المساعدات الإنسانية إلى زيادة استنزاف قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة، وفق تقرير البنك الدولي في أيار الفائت.

عفرين

يتشابه حال السوريين في عفرين مع أحوالهم في إدلب، المسافة ليست ببعيدة، وهنا يحضّر بعض الأهالي ما تيسر لهم للعيد، مثل السيدة هيفين، إحدى المقيمات في مدينة عفرين الواقعة تحت سيطرة "الحكومة السورية المؤقتة"، إذ تقوم بصناعة كعك العيد والأقراص المحشوة والمعجنات.

تقول هيفين لروزنة: "هناك تنوع كثير بالبضائع و ضيافات العيد ولكن أسعارها غالية بالنسبة للعائلات ذات الدخل المحدود، فقد يصل سعر الضيافة فقط إلى 50 دولار، بدون إضافات، وهذا كثير مقارنة بمدخول العائلات الفقيرة".

في المقابل هناك بعض العائلات سيمر عليها عيد الأضحى كما لو أنه يوم عادي في السنة.

زهرة، لديها ثلاث أولاد، تقول لروزنة: "لا أحد يستطيع شراء شيء، نزلنا إلى السوق عدة مرات، شاهدنا المحال التجارية والأسعار المرتفعة وعدنا، لم نأخذ لا ضيافة ولا ثياب (...) كثيرون مثلنا لم يشتروا شيئاً".

الرقة

يختلف المشهد قليلاً في الرقة عن إدلب وعفرين، وتبدو الأمور أفضل نوعاً ما رغم تردي الأحوال المعيشية أيضاً.

"كيف بدنا نلحق بين ضيافة العيد والثياب؟"، تقول أم وتين المقيمة في الرقة لروزنة، رداً على سؤال روزنة حول تحضيراتهم وتجهيزاتهم لعيد الأضحى.

تمتنع أم وتين، عن شراء ما ترغب به أو تشتهيه، تقول لروزنة: "الأسعار مرتفعة جداً وبالدولار، وزوجي موظف لا يتجاوز راتبه المليون و30 ألف ليرة سورية".

وتشير إلى أنّ طفليها لديهما ثياب من العيد الماضي، لكنهما يحتاجان إلى كنزات صيفية.

أما ضيافة العيد، فالأسعار "غالية لا تناسبنا"، حيث تؤكد السيدة أنها ستكتفي بصناعة "كليج" العيد، إلى جانب القهوة.

ووفق "أبو حلب"، صاحب محل ضيافة وسكاكر، يبلغ سعر كيلو الكراميل بين الـ 20 و50 ألف ليرة، والبسكويت يصل إلى 50 ألف ليرة، لافتاً إلى أن الحركة ضعيفة مقارنة بالسنوات السابقة.

أما أحمد النجم، أحد المقيمين في الرقة، فيرى أنّ الأسعار في الأسواق مرتفعة الثمن، وهو ما يجعل الناس تكتفي بأنواع محددة، دون تنويع في الضيافة "اشتريت فقط سكاكر وبيتيفور" ضيافة العيد، أما الثياب فالأسعار مقبولة، وفق قوله.

أبو عبد الله، صاحب محل ألبسة، في الرقة، يقول لروزنة: إن الإقبال ضعيف جداً في العيد، بسبب ضعف المردود المادي للناس.

ويوضح أن الإقبال كان أكثر خلال السنوات الماضية، اليوم البنطلون يبلغ ثمنه 50 ألف ليرة، والكنزة 50 ألف، أما في الأسواق الأخرى تباع القطعة بـ 50 دولاراً "الذي لديه خمسة أولاد ماذا يفعل؟".

في الحسكة "العيد مثل بقية الأيام"

لا يختلف الوضع كثيراً في الحسكة عن الرقة، فهنا يتحايل السوريون أيضاً من أجل توفير بعض آلاف الليرات، ويستغنون عن الكثير مقابل الاستمرار بالحياة.

"بهجة العيد غائبة منذ سنوات بسبب الظروف و الحرب والحرمان من أبسط حقوق العيش في هذا البلد" تقول أمل عبد الحكيم مقيمة في الحسكة، لروزنة.

تستذكر أمل كيف كانت تحضيرات العيد قديماً، مثل شراء الملابس الجديدة و تحضير أنواع الضيافة كالكليجة والبسكويت والموالح وغيرها.

وتقول لروزنة: "الظروف المعيشية الصعبة أجبرتنا على العزوف عن هذه التحضيرات و استقبال الأعياد كأي يوم آخر، لا نقدر على شراء اللباس لكامل الأسرة، مثلا نعتمد على ثياب العيد الماضي، وللبعض الآخر نشتري ثياباً جديدة، وتبلغ تكلفة شراء ثياب للطفل الواحد حوالي 300 ألف ليرة سورية".

وفيما يتعلق بضيافة العيد، شراء السكاكر من النوع الجيد وليس "الممتاز" أصبح كافياً، كضيافة خلال فترة العيد.

ويؤكد غسان وليكا، صاحب محل ضيافة، لروزنة، أنّ الإقبال على شراء ضيافة عيد الأضحى هذا العام ضعيفة نوعاً ما بسبب الأسعار الغالية والحالة الاقتصادية و المعيشية الصعبة للمواطنين.

ويشير إلى أنّ هناك الكثير من أنواع الشوكولا، أرخص صنف مر مع مكسرات يبلغ ثمنه ما بين 5 و13 دولار، والأصناف الحلوة يأتي ثمنها ما بين 2 و5 دولار.

العيد يأتي مع الحوالات

تختلف ظروف الأشخاص الذين يستقبلون الحوالات من ذويهم المغتربين، ويستطيعون من خلالها الشعور بالعيد وطقوسه.

محمد صديق، أحد المقيمين في الحسكة تمكن من شراء "الضيافة واللحوم والفواكه" لاستقبال الضيوف، بعد استلامه حوالة من ذويه في أوروبا.

يقول لروزنة: "هناك ارتفاع في أسعار الأسواق، ولولا المساعدة التي تأتي من أوروبا لا نتمكن من شراء الاحتياجات".

ويتابع: "اليوم اشتريت الضيافة بأكثر من مليون ليرة سورية، الكثير غير قادرين على شراء مستلزمات العيد وبخاصة الموظفين لدى الإدارة الذاتية الذين لا تتجاوز رواتبهم مليون وخمسمائة ألف ليرة سورية".


وتعتبر الحوالات المالية للسوريين داخل البلد كـ"شريان الحياة والمنقذ الحقيقي لهم" كما وصفتها دراسة لمركز "حرمون للدراسات المعاصرة" في ظل معاناة أكثر من 90 بالمئة من السوريين من الفقر.

وقدّر رئيس "هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية" لدى حكومة النظام السوري، أواخر العام الفائت، معدل الحوالات الواردة إلى مناطق سيطرة النظام ما بين 4 -7 مليون دولار أميركي يومياً.

ويبلغ متوسط تكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من 5 أفراد، خلال شهر آذار الفائت، حوالي 12.5 مليون ليرة سورية، في وقت يبلغ متوسط الأجور 300 ألف ليرة سورية، أما الحد الأدنى للمعيشة يصل إلى 7 ملايين و812 ألف ليرة سورية، وفق تقرير "مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة".

ارتفاع كبير بالأسعار

كذلك تحدث آزاد محمد، وهو صاحب محل ألبسة لروزنة، عن تراجع الإقبال قبل العيد، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

وأوضح أن بنطال جينز يبلغ ثمنه من 250 إلى 300 ألف ليرة سورية.

وأضاف: "هناك شريحة من المواطنين يصعب عليهم التوجه إلى المحلات وتعادل هذه الأسعار راتبهم الشهري الذي لا يتعدى 300 ألف ليرة سورية، وهنا يتوجهون الى محلات لبيع الألبس المستعملة لشراء احتياجاتهم".

والسبب الآخر في ارتفاع الأسعار، ارتفاع أسعار شحن البضائع، وفق آزاد: "أصبحت مهنتنا عبء علينا، أفكر جدياً في ترك هذه المهنة و التوجه إلى مهنة أخرى قد تكون أفضل".

ويعاني أكثر من 90 بالمئة من السوريين من خط الفقر، في ظل انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء إلى نحو 14 ألف ليرة سورية في السوق السوداء، و13 ألف و500 ليرة سورية وفق نشرة تصريف مصرف سوريا المركزي.

وبحسب تقرير لـ"البنك الدولي" في تشرين الأول عام 2022، فقد انكمش إجمالي الناتج المحلي في سوريا بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2020، ودفع الانخفاض الكبير في نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي البنك الدولي إلى إعادة تصنيف سوريا كبلد منخفض الدخل منذ عام 2018.

بودكاست

شو الحل؟ - الموسم الثالث

شو الحل؟ - الموسم الثالث

بودكاست

شو الحل؟ - الموسم الثالث

شو الحل؟ - الموسم الثالث

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض