ظن سمير بركات أنه وبمجرد هروبه من سوريا قد جعل الموت وراءه، لكن الجزيرة التي ظنها آمنة يخشى اليوم أن تتخذ قراراً بإعادته إلى مخدع الموت في سوريا كغيره، فقرر أن يواجهها بشجاعة.

بدأ اللاجئ السوري سمير بركات الثلاثاء إضراباً مفتوحاً عن الطعام أمام مبنى البرلمان الدنماركي وسط العاصمة كوبنهاجن، مؤكداً أنه مستمر حتى تحقيق مطالبه ومن معه، حسب تصريح لـ"روزنة".

وصل سمير من مدينة حلب إلى الدنمارك في 2014عام، والتحقت به زوجته وبناته الثلاث بعد نحو عام ونصف تقريباً.

لم يستطع العمل طويلاً وسرعان ما أحيل للتقاعد بموجب تقارير طبية بسبب أمراض بالعمود الفقري والنخاع الشوكي، فيما تتابع بناته التعليم في كليتي الصيدلة والطب الحيوي.

وكانت مدينة حلب تعيش تحت وابل البراميل المتفجرة لطائرات النظام السوري في تلك الفترة، ووصفتها منظمة العفو الدولية "أمنيستي" بـ"دائرة الجحيم".

خرج سمير من منزله دون أن يخبر عائلته بما يدور في فكره، أو يفصح لهم عن قراره، وبدأ إضرابه عن الطعام و الماء باليوم ذاته، حتى تحقيق مطالبه.

ويقول: "بدل أن يقتلني بشار الأسد بالبراميل المتفجرة والكيماوي، قررت الموت باختياري عبر الإضراب عن الطعام والماء.. الأسد كان يلقي البراميل هنا لتخرج روحك فوراً، لكن هنا بالدنمارك تقتلنا القرارات يومياً بشكل أصعب.. أفضل الموت إذا اجبرت على العودة إلى سوريا".

ويشكك سمير كغيره من اللاجئين بمصداقية التقارير التي اعتمدت عليها الحكومة الدانماركية في تصنيف العاصمة السورية كمدينة آمنة.

ونشرت العديد من الصحف الدنماركية مقالات مقتطفة ومشوهة عن تصريحات عدد من الصحفيين السوريين والناشطين ليؤكدوا أن دمشق وريفها مناطق آمنة يمكن إعادة اللاجئين إليها.

اقرأ أيضاً: الدنمارك تفكك شمل عائلة سورية والأب يصاب بالجلطة
لخص سمير لـ روزنة مطالبه: "الرجوع عن القرارات الحكومية ضد اللاجئين، والكف عن استخدام اللاجئين كورقة تنافس سياسية بين اليمين واليسار، والعودة لعقد الاندماج الأولي الذي وقعوا عليه".

وينص عقد الاندماج الأولي، حسب بركات، إلى تحويل إقامتهم الممنوحة من خمس سنوات إلى إقامة دائمة، وأردف: "لم أعد أحلم بالحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسية، مع القوانين اليومية ضدنا، كيف نستطيع العيش براحة، وتقديم شيء لخدمة البلد؟".

وتستند الحكومة الدنماركية في سياسة الترحيل، إلى القانون المعدل سنة 2019 الذي قضى بمنح اللاجئين إقامات محددة بفترة زمنية، وسمح بترحيلهم في حال تحسن الوضع في بلدهم، وأوجب القانون سحب إقاماتهم ومنع تجديدها.

وصوت على هذا التعديل الاشتراكيون مع اليمين الشعبوي لصالح خطط الحكومة السابقة، بهدف عدم دخول أي لاجئ جديد إلى الدنمارك في المستقبل، وذلك على الرغم من اعتراض الأحزاب اليسارية، إلا أن القانون قيد التطبيق.

وفصل ماهر حمدان أحد منظمي الوقفة المفتوحة لـ"روزنة" مطالبهم المتمثلة بـ"تراجع الحكومة عن إقرار مدينة دمشق وريفها آمنتين، وإيقاف سحب الإقامات، ورفض قبول الـ paradigmeskft (حزمة قرارات رسمية جديدة ضد اللاجئين)، والتوقف عن اللعب بحياة اللاجئين، والعودة إلى قوانين اللجوء قبل 2015".

وتشهد بوابة البرلمان الدنماركي اعتصام سمير بركات ومعه مجموعة من اللاجئات واللاجئين السوريين، مع توقعات بأن تتسع رقعة المشاركين بعد الانتهاء من تنظيم مظاهرات واحتجاجات تضامنية مع اللاجئين.

وشهدت الدنمارك الأربعاء مشاركة للآلاف بتجمعات احتجاجية في 25 مدينة، تطالب وزير الهجرة الدنماركي بالتراجع عن قرار إلغاء تصاريح إقامة اللاجئين.

اقرأ أيضاً: مصير مجهول ينتظر لاجئين سوريين طردتهم الدنمارك

ورغم  تفاعل الصحافة الغربية الأوروبية والمنظمات المحلية المعنية بحقوق الإنسان، إلا أن وسائل الإعلام الدنماركية تحاول غض الطرف عن الاعتصام المرخص وإضرابه عن الطعام، دون أي تدخل من السياسيين أو موظفي البرلمان، على حد وصف "بركات".

ولفت أيضاً أن منظمات دنماركية عرضت عليه شرب الماء حرصاً على سلامة صحته، لكنه رفض ذلك مقرراً الاستمرار، ويقول: "لا أدري إلى متى ستبقى صحتي على ما هي عليه".

ينتظر سمير قرار الحكومة الدنماركية بشأن تجديد إقامته، المفترض أنه سيُتخذ في الشهر العاشر من العام الحالي، لكن "التشديد اليومي أثر عليه نفسياً، وقرر الاختصار على نفسه الطريق والبدء بالإضراب، إذ تتساءل بناته يومياً: لماذا نكمل دراستنا؟ ما الهدف من ذلك إن كنا سنرحل؟".



ووفق موقع الهجرة الدنماركي، فإن 5 آلاف سوري منحوا وضع الحماية المؤقتة على أساس الظروف العامة في سوريا في الفترة بين عامي 2015 و2019.